العارف بالله سيدي أحمد رضوان
الحمد لله واهب الخير والنعم ، الذي بيده الجود والكرم ، سبحانه لا هدي إلا من لدنه ، ولا خير إلا من عطاياه ، ولا جود إلا من فضله ، ولا وصول إليه إلا به
ولا قبول عنده إلا بما أراده ، ولا إقبال عليه إلا بما حكم به وفرضه على خلقه ، له الشكر شكراً مستمداً منه على نعمائه التى أنعم بها على عباده ،
شكراً نستلهم به الكثير من عطاياه . و نشهد أن لا إله إلا الله و حده لا شريك له ، المعبود بحق و لا معبود بحق سواه ، ونشهد أن سيدنا محمداً عبده و رسوله
الذى به ومنه وعلى ما أتى به يصل العبد إلى مولاه . صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته ومن والاه ، و سلاماً نسلم به عند خالقنا ، وبركات وخيرات تغرقنا فى طاعة الله حتى لا نحس بغير عظمة مولانا ، ولا نرى إلا نعمة ربنا ، ولا نقصد إلا وجه خالقنا و بارئنا ، وعلى كل تابع ومتبوع ، وعلى كل متصل واصل موصول ، و أدم يا ربنا نعمة الإيمان علينا
وسلمنا من كل عيب ونقص ، وزك روحنا بذكرك ، وقو ضمائرنا بذكرك ، وقو أبصارنا حتى لا تنظر إلى غيرك أبدا، وحل بيننا وبين أنفسنا حتى لا نشتهى إلا ذكرك ، ورضنا وارض عنا حتى نقبل عليك آمنين مطمئنين ، فرحين مستبشرين ، واجعل خير أعمالنا ما تفضلت به علينا حتى تقبلنا ، وخذ بأيدينا إلى طريق السلامة و النجاة ، واجعلنا ممن وحدوك فقبلتهم ، وناجوك فأحببتهم ، وممن عرفوك معرفة تليق بك يا ذا الجلال والإكرام .
أما بعد :
هذه نبذه يسيرة فى ترجمة مولانا العارف بالله الحاج أحمد محمد رضوان رضي الله عنه و نفعنا به .. آمين
ولد شيخنا رضى الله عنه فى مصر بقرية ( البغدادي ) مركز الأقصر – محافظة قنا ، و هو من قبيلة ( آل رضوان ) بالعديسات قبلي مركز الأقصر وهى قبيلة شريفة معروفة بين القبائل بالتقوى والزهد، و ينتهي نسبها إلى سيدنا على بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم وجهه.
والقبيلة محل تكريم وتقدير ، و يرجع الناس إليها للتبرك بهم ، ومن حسن الطالع أن وجد تاريخ ميلاده مكتوباً لدى أحد الأخوة وقد كتبه بإملاء شيخنا له وهو السابع من شهر سبتمبر سنة 1895 و سنة 1315 هـ . حيث كانت من عادة أهل البلاد عدم كتابة تواريخ الميلاد جرياً على مألوف القبائل العربية .
نـــســبــه :
كما جاء بنسبة منقولة من الشجرة الأصلية الجامعة لنسب الأشراف ولجميع القبائل ، وقد سلمها لنا السيد أحمد الجيلانى ابن عم مولانا أحمد رضوان وها هو النسب:
السيد( أحمد) بن السيد (محمد) بن السيد( أحمد) بن السيد (محمد) بن السيد (رضوان) بن السيد( يونس) بن السيد (محمد) بن السيد (عبد الله) بن السيد (سليمان) بن السيد (عامر) الصغير بن السيد( الحسن) بن السيد( محمد) بن السيد (عامر الكبير) ابن السيد (ياسين) بن السيد( رضوان) بن السيد (محمد) بن السيد (نافع) بن السيد (محمد) بن السيد (نافع) بن السيد( سرور) بن السيد (ملاك) بن السيد (محمد) بن السيد (عبد الرازق) بن السيد( شرف الدين) بن السيد (أحمد) بن السيد (على الهاشمي ) بن السيد( شهاب الدين ) بن السيد عبد (الرازق) بن السيد ( عبد القادر الجيلانى أبى صالح) بن السيد (موسى ) بن السيد ( عبد الله الجبلي ) بن السيد (يحيى الزاهد) بن السيد ( داود ) بن السيد ( عبد الله) بن السيد ( أبى الكرام ) بن السيد ( موسى الجونى ) بن السيد ( عبد الله المحضى ) ابن السيد ( الحسن المثنى ) بن السيد ( الحسن ) بن الإمام على بن أبى طالب كرم الله وجهه .
نــشـــأتـــه :
نشأ بين أبوين كريمين صالحين ، وكان أبوه عالماً عارفاً بالله تعالى زاهداً فى دنياه ، وكثيراً ما جرت على يديه الكرامات ، وكان لا يعرف إلا الله تعالى و رسوله صلى الله عليه و سلم ، وله عم اسمه الشيخ الجيلانى من أهل الوله و يشهد بكراماته و تقواه جميع من شاهدوه وعاصروه .
توجه فضيلة الشيخ أحمد رضوان إلى مكتب تحفيظ القرآن و هو صغير فحفظ القرآن و قرأ كتب الفقه والتوحيد على شيخه فضيلة الشيخ "حامد أحمد جبال " وكان مفرط الذكاء يشهد بذلك من عاصره فى التعلم ، وبدأ محباً للنبي صلى الله عليه و سلم زاهداً فى دنياه ، مالكي المذهب ، ولم يقف في تلقيه و قرائته للكتب عند كتب الإمام مالك رضى الله عنه بل قرأ وبحث كثيراً فى كتب باقى الأئمة حتى صار عالماً نحريراً فى المذاهب كلها .
نشأ رضى الله عنه مطيعاً لله ورسوله ومقتدياً به فى قوله وعمله وحاله بالإضافة إلى عمله فى الزراعة طلباً للرزق حتى لا يكون عالة على أحد .
وكان يعمل بالشادوف ( آله يدوية لرفع المياه ) فى الأيام شديدة الحر وهو صائم ذاكراً مصلياً على حبيبه صلى الله عليه وسلم ، وقد فتح الله عليه بالعلم الربانى بفضله وكرمه وجوده ، وقد اعترته بعض الحالات حتى كان لا يطيق جلباباً عليه من شده شوقه وعشقه وكان الناس يظنون ذلك مرضاً ألم به
، كما كان يوقد النار الشديدة من حوله صيفاً !!! .
ومن التجليات التى ظهرت عليه أنه خرج ذات ليلة هائماً على وجهه فى الصحراء فسمع جميع ما فيها من حجر وغيره يسبح الله تعالى وكان كثيراً ما يبيت بالصحراء الليالي الكثيرة وكان لا يهاب الآساد ولا غيرها وكان كثيراً ما يردد قول البوصيري .
ومن تكن برسول الله نصرتهُ ..... إن تلقه الأسد فى آجامها تجم
زهده :
كان رضى الله عنه زاهداً فى دنياه ، فلا يتعجل الرزق ، ولا يأبه بكثرته ، فالكل عنده سواء ، و أكثر حالاته يفرح إذا دخل بيته و لم يجد شيئاً ، كي يتأسى بحضرة المصطفى عليه الصلاة و السلام فى بعض أوقاته ، و لكي يكون مشاركاً للفقراء و المساكين الذين لا يملكون شيئاً فى دنياهم .
و كان يبيت الليلة و الليلتين بالجوع و لا يسأل أحداً و قد ذكر أنه فى يوم من الأيام اختلف مع أخيه على قشر البطيخ و لم يكن بالمنزل غيره و كان كل منهما ينظر إلى الآخر و يتعجب من كثرة نصيبه فيه و هو راض بذلك ، و عاش كذلك حتى جاءه اليسر و الدنيا أقبلت عليه و أخذ ينفقها فى سبيل الله خدمة لجميع خلق الله الذين يفدون للاغتراف من مناهل فيضه الرباني ، فقد فطر نفعنا الله به و بآله على ما فطر عليه سيدنا رسول الله صلى الله عليه و سلم من الكرم حيث كان كالريح المرسلة ، و قد ساق الله إليه الرزق من حيث لا يحتسب تطبيقاً لقوله تعالى : ( ومن يتق الله يجعل له مخرجاً و يرزقه من حيث لا يحتسب ) صدق الله العظيم .
ســخـــاؤه :
لم يعرف الناس له نظير فى السخاء فى هذا العصر ، ولم يروا له مثيل فى الجود و الكرم و الإيثار فكم قدم رضى الله عنه الطعام للفقراء و المحتاجين
و أبناء السبيل الوافدين و الزائرين الذين يكثرون إلى حد أنهم يبلغون المائه
و المائتين و أكثر من ذلك فى بعض الأيام ، يقدم لهم ما يفي بحاجتهم أو يزيد من طعام و شراب أو كساء ، و يكفل لهم الإيواء و كل ما يستلزمه
لتوفير الراحة لهم فى نومهم و جلوسهم و صحوهم ، و أداء لفرائض الصلاة و الصيام ، و كان رضى الله عنه لا يرد سائلا و كان يعطى عطاء من لا يخشى الفقر من جميع ما يرزقه الله من مال أو طعام أو كساء .
و لا ريب أن هذه الحالة تجعل لناس يسألون و من أين له كل ذلك ؟!؟!؟
و الجواب على هذا السؤال : إن الله الذى أنزل فى كتابه ( و الله يرزق من يشاء بغير حساب ) وليس لمخلوق أن يسأله و قد قال جلت قدرته ( و من يتق الله يجعل له مخرجاً و يرزقه من حيث لا يحتسب ) .
و كان رضى الله عنه لا يرد هدية تقدم إليه متأسيً فى ذلك بسيدنا رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و كان يقتسم الهدايا التى ترد اليه مع زائريه و محبيه فى الله تعالى فى غير ما تكلف أو تكليف .
و لوفرة سخائه و انتشار أريجه فى البلاد من أدناها إلى أقصاها كثر زواره و كثر مبيتهم عنده و هو على كثرتهم يقوم بواجبهم خير قيام، و لم يؤثر أنه شكا من قله طعام أو غطاء أو فراش ، كذلك لم يؤثر عنه أنه طلب معونة من جيرانه أو غيرهم لا تكبراً من عليهم و لا نفوراً منهم ، بل خشيه أن يكون المطلوب غير موجود عندهم و هو الحريص عليهم الداعي لهم دائماً بالستر و عدم الاحتياج .
عطفه على الفقراء و الأيتام :
كان رضى الله عنه يحب الفقراء و اليتامى و يعاملهم بالعطف و الحنان و يدخل السرور عليهم و يواسيهم كثيراً و كان منزله مقصد للأرامل و الفقراء الذين يفدون اليه لسد حاجاتهم فيأخذون ما يلزمهم من أطيب ما لديه ، و لا يعطيهم مما يتبقى عن حاجته مقدماً حاجتهم عن حاجته .
ومن أمثله عطفه ، أنه فى عام 1944 اجتاح و باء الملاريا و التيفوس بحيث كان إذا دهم المرض أسرة أقعدها عن العمل ، و ربما قضى علي أفرادها و فى هذه الظروف العصيبة لم يتهيب الموقف ، بل اندمج فى وسط المرضى و قام على خدمتهم و إمدادهم بما هم فى حاجة إليه و بلغ من ذلك أنه أعد العدة و وضع مخلاة على دابته و أخذ يطوف بها على الخيرين يجمع المعونة و يوزعها على المرضى
بنفسه و كان يحمل لهم الماء فى جرار إلى منازلهم فى تواضع و سماحه نفس
مؤمناً بأن المؤمنين كالجسد الواحد إذا أشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر و الحمى ، و مؤمناً كذلك بأن الله فى عون العبد مادام العبد فى عون أخيه .
طــــــر يــــــقــــتـــــة :
أخذ رضى الله عنه الطريقة السمانية عن والدة ثم أخذ الطريقة الخلوتية عن الشيخ أبى القسم بحجازه ثم أخذها عن العارف بالله الشيخ محمد عبد الجواد الدومى ، و قد ذكر رضى الله عنه أنه أراد أن يأخذ منه الطريقة ناداه باسمه قبل أن يجلس معه أو يتعرف عليه ، و أمره بالوضوء فتوضأ هو و أحد المريدين فنجح كل النجاح فى وضوئه .
و لما أنتقل شيخه إلى رحمة الله خلف بعده العارف بالله الشيخ محمد الرملي ، و كان خير خلف لخير سلف ، و قد انتفع به الكثير من الناس. و قد سافر شيخنا إلى المنيا لزيارة الشيخ محمد الرملي و جدد عليه الطريقة فكان من المقربين المحبوبين لديه ، و من دلائل حبه الشديد لشيخنا كثرة المدح فيه و حسن الثناء عليه و كان الشيخ الرملي رضى الله عنه يقول : إن الحاج أحمد رضوان رئيس مجاذيب الصعيد و لا يوجد فى عصرنا مثله ، كما كان يقره فى قوله و عمله و حاله ، وله خلوات به و حديث خاص معه .
و بعد أخذه من الشيخ الرملي لم يأخذ من أحد ، و قصده الكثير من أهل الصلااح و التقوى على إختلاف مشاربهم و أذواقهم . و كل من و فق لرؤيته و الجلوس معه بصدق رأى خلقاً قرآنياً و مسلكاً محمدياً و خلالاً إسلاميه و توجيهاً ربانياً و فيضاً إلهيا وروحاً شفافاَ و مدداً غامرا فيغنم الصادق فى جلسته بشحنة قويه دافعة تقوى بها روحه و يستيقظ بها ضميره و تتحرك خلجاته فيقبل على ربه مسرعاً بالتوبة إليه ، و تهفو روحه إلى النبي صلى الله عليه و سلم فيعود إلى سنته يستزيد منها و يفقهها بقلبه ، و هو فى كل ذلك يذكر صاحب الفضل رب هذه النعمة .
هذه كانت نبذه مختصره عن حياة العارف بالله الشيخ أحمد رضوان رضى الله عنه و نفعنا به .
اعتذر إخواني إن كان هناك أى خطأ و أرجوا ممن يجد أى خطأ أن ينبهني إليه
بارك الله فيكم و جمعنا و إياكم مع النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين .. ..... آمين